Thursday, April 19, 2012

Cries and Whispers 1972





ماذا يعني أن تكون أكثر إصغاء لما تستنطقه اللحظة و يسكته الزمن أيعني أن تكون لك نافذةٌ مشرعة على الخلق على التكوين كما هو الحال مع المخرج العبقري بيرجمان ؟ ربّما  Cries and Whispers أحدى روائع بيرجمان التي أنتجت عام 1972 و لا أظن أن هنالك تقديم واحد أو قراءة واحدة أو حتى تصور واحد نهائي ستتخذه بعد نهاية الفيلم لا أستطيع أن أخبرك بما ستشعر به لكنني على يقين بأن اللون الأحمر الذي اختاره بيرجمان هذه المرة لتغرق به المشاهد كفيلٌ بإعادة السُلطة الشعورية التي تمارسها الألوان في التنبيش عن الأفكار و العواطف المضمورة التي لم يعد بالإمكان الجزم بأنها موجودة لشدةِ تعقيدها و صعوبة التعبير عنها , الموت له لون الدم لون الرغبة ..العاطفة الهمس و الخطيئة في عينيّ بيرجمان في هذه الشخصيات الأربعة , الأخوات الثلاث Agnes , Karin , Maria ورابعتهم الخادمة التقية Anna , بقعة الضوء تسقط على كلٍ من النساء الأربع بشكل تسلسلي , فيبدأ الفيلم بقراءة فنية لملامح (آقنيس) المتعبة ووصف عميق لآثار المرض على هيئتها سواء من خلال الشحوب الذي يلف وجهها أو أنفاسها المتثاقلة و المتقطعة كأنما هو استجداء تستجديه رئتاها لتواصل التنفس بالرغم من كل هذا الألم , تنهض و تكتب لاحقاً في مذكراتها عن تصورها لمعاني النعمة التي تُمنح للإنسان في هيئة الصُحبة و المرافقة بحسب ما تعتقد (آقنيس) " لقد كان يوم الاثنين "ماريا" و "كارين" شقيقتاها الاثنتان تقيمان لديها الآن بالإضافة إلى (آنّا) التي تسهر على راحتها و العناية بها خلال هذه الفترة التي يتضاعف فيها شعورها بالألم , في الزيارة الأخيرة لطبيب العائلة يؤكد بأن أيام (آقنيس) باتت معدودة بينما تتخذ الأيام التي جمعت بين الطبيب و بين ماريا طريق اللاعودة , الحنين ينتقل من عينيّ (ماريا) الملهوفتين بعد رؤية الطبيب إلى ذاكرة (آقنيس) التي تستعيد روح والدتها للحظات و العلاقة المتذبذبة التي كانت تجمع بينهما في الماضي , تستطيع أن تستشف شخصية (آقنيس) بوضوح من خلال رؤيتها لعلاقتها بوالدتها هذه العاطفية و الحاجة العميقة للمشاركة الشعورية لاسيما بعد أن تتحدث عن شعورها بالغيرة اتجاه العلاقة التي تربط والدتها بشقيقتها (ماريا) الأسرار التي يتشاركانها معاً و هذا التشابه الواضح في بينما لدرجة أن Liv Ullmann التي تؤدي دور الأم هي النجمة ذاتها التي تلعب دور (ماريا) في الفيلم كناية عن التشابه الواضح بين الاثنتين , (آنا) الخادمة التي تمتزج في عينيها الأنثى ما بين الحزن بالروحانية و العاطفة بالإنسانية , تتلو الصلاة على روح ابنتها التي فقدتها و تغمر سيدتها (آقنيس) بما تيتم من حنانها بعد خسارتها لطفلتها , على النقيض تأتي شخصية (كارين) المرأة التي تتصلب بمرور الزمن و تصبحُ أكثر تزمتاً و كبحاً للإنسان فيها للمشاعر و للرغبات مما يؤثر على علاقتها بشقيقاتها اللاتي اعتدن على التعبير اللفظي و الجسدي عن قربهن في طفولتهن لكن يتضح لاحقاً أن اللمسة تصبح أكثر جفافاً و الهمس أقل من ما يمكن الاعتماد عليه لتعميق الارتباطات الهشة فيما بينهن , (كارين) أثناء تناولها للعشاء برفقة زوجها الذي يعمل في السلك الدبلوماسي تترك شظايا الزجاج التي تنتشر على الطاولة بعد أن أسقطت الكأس غفلةً منها لتجسد التفكك الذي تشعر به تحتفظ بكسرةٍ من الزجاج تقطع فيها شريان الرغبة الجنسية في مشهدٍ يغطي فيه الدم فخذيها و ينتهي على أصابعها و شفتيها , كأنما هي محاولة لإجهاض الممارسة التي تعطي شعوراً زائفاً بالاستمرارية و بالتعلّق بجلباب الحياةِ في سبيل الإرضاء المؤقت , عندما تستعيد (ماريا) المشهد الذي شهدت فيه محاولة زوجها للانتحار نتيجةً لمعرفته بالعلاقة التي تربط بينها و بين الطبيب تستعرض من خلال الموقف السلبي اتجاه استجداء زوجها لها طالباً المساعدة بحقيقة التأثير التي خلّفته سلوكياتها على ملامح وجهها و التجاعيد التي تُقرأ في ضوء النهار وحدها هي من يصف أن وراء هذا الجمال كمٌ هائل من البرود و اللامبالاة و أن حركة شفتيها ليستا بتقليدية التعبير الذي يطلق عليه ابتسامة بقدر ما هي مزيج من السخرية و السأم , صوتُ دقاتِ الساعة انتحارات الريح على النوافذ و اختناق (آقنيس) من شدة الألم هي الإشارات التي يلمحُ بها بيرجمان على معانقة الموت لإحدى نساءه الأربع في الفيلم , تتألم (آقنيس) بالدرجة التي يزحف فيها مصيرها إلى نهاياته من السرعة , تحضتنها (آنّا) بحنو و عطف حتى تستلم للنوم , تستيقظ في الصباح التالي بالصحوة التي تسبق الموت , بكل عبقرية يترجم بيرجمان العجز في مواجهة تحرر الروح من الجسد في واحد من أجمل المشاهد الدرامية حيث تصرخ (آقنيس) و تستنجد ألا يمكن لأحد مساعدتي  فليساعدني أحد ..؟ , يختفي صوتها بينما ينهار جسدها بهدوء تدريجي و تتجمد نظراتها تتحول ملامحها من التصلب إلى أن ترتخي باستسلام ..
لماذا هذا الفيلم ؟ لأنه فيلم شاهدته و تنقلت فيه هويتك بين شخصياته و طفحت روحك بكل ما هو أحمر , لأنها صورة تعطيك الإحساس بحقيقة أن تكون مبصراً هي اللحظة الأقصر من بين لحظاتك في النور , لأنه الإخراج الذي يقنعك أن عمق الرسالةِ لا يكون عائقاً أمام عبقرية الإخراج , لأنها المشاهد التي لا تحتاج أن تختفي من ذهنك بالسرعة التي أتت فيها الكاميرا التي تعرف طبيعة العين في التأمل في تكوين الإدراك بأكثر من صورة من خلال تعابير الوجه من خلال بريق تلمحه أو تنهيدة تكاد أن لا تكون مسموعة درجات الألوان تلاشيها بنمط مؤثر استخداماتها في الربط بين المشاهد بالأخص في البدايات حين كانت (آقنيس) تتأمل وردةً بيضاء بمعاناة اللون الذي انتهت فيه على سريرها حيث تُليت الصلاة على روحها و اللون الذي وّحد اختلافات النساء الأربعة في المشهد الأخير برداء البياض , الموسيقى التصويرية في لحظة الصفاء التي التقت فيها الأختان (ماريا) و (كارين) متجردتان من قيود المسافة العاطفية التي باعدت في ما بينهما , كأن هذا الموت الذي سرق منهما (آقينس) أغواه أن يكون لرحيلها بُعده الإنساني أيضاً *الفن* كلمةٌ لا تصف كمالية المشهد الذي جمع بين موسيقى باخ مشهد بيرجماني و أداء شخصيتين تلعب دورهما Kari Sylwan و Ingrid Thulin , مدهشٌ هذا الإدراك الذي يجعلك تقدر حقيقة التعقيد الذي تحمله كل شخصية من الشخصيات التي تحدث عنها مقارنةً بالأداء كتقييم شخصي أجد أنه من أكثر الأفلام التي تبرز قدرات الممثل هي أفلام بيرجمان بشكل عام , أن تقنعني أو لا تقنعني هذا المعيار الذي يختصر الأداء بالنسبة للممثل أن تقنعني إلى حد الشك في ما أنا على يقين به ( أي أنه لا يتجاوز كونه تمثيلاً) هذا المعيار الذي لمسته من أداء الممثلات الأربعة لاسيما الأسطورية Harriet Andersson , لماذا هذا الفيلم ؟ لأنه أخضع رؤيتي إلى نوع مستعصي من العاطفية بحيث لا أجد سبباً يمنعني من الكتابة عنه حتى و إن كنت على علم بأنني لن أكتب ما أظن بأن يليق بما شاهدت أو يعبر عن ما شعرت , ماذا يعني أن تكون خالداً ؟ ربما إذا كنت أحد أعمال Ingmar Bergman تعرف الإجابة لأكثر من هذا السؤال .

No comments:

Post a Comment