الفيلم من انتاج 2009 للمخرج لارس فون ترير كبداية يُصنف الفيلم على أنه فيلم من نوع "دراما" و إن صنفه الكثير على أن جانب الرعب يطغى على جانبه الدرامي , في المشهد الأول من الفيلم حيث الحركة و الموسيقى هما اللذان يقودانك إلى الاجابات لتتمكن من طرح الأسئلة-لاحقاً- في الفصول المقبلة , الجهود العالية في نقل الإحساس البصري و الإحساس السمعي و الاستفزاز العقلي الذي يحرضك على الاندماج بشكل أولي في مشاهد البداية هذا ما أستطيع أن ألخص به فصل التمهيد , أمّا القصة فهي تتخذ مسارات عدة يخيلُ إليك في البداية أنك في صدد متابعة عائلة تخسرُ طفلاً و تحاول التماسك مع الأسى الذي يصيبها نتيجة هذه الخسارة , لكنها قفزةٌ عالية إلى العلاقات بين الإنسان ذاته و الطبيعة الوحشية و من ثم تلتقي التفرعات في مصب واحد و هو المُعتقد الخاص الذي يحاول تفسيره الكاتب , كأنما كان يكتبُ هذا الفيلم و أنت تصغي إلى التساؤلات في عقله بشكل لاشعوري , لارس فون ترير كاتب و مخرج استفزازي أحياناً ينتابني الشعور أن أعماله لا تخضع لمراجعة لشدة ما تبدو متآلفةً مع النسق الأولي الذي تتوالد من خلاله الأفكار , دموع شجرة البلوط على سبيل المثال , الاندماج مع العشب , اللغة الصامتة بين المشاهد التي تقود إلى اقتراح مما تخاف هي ؟ لتضعه في قمة الهرم , مما يخاف هو أو مما تخاف أنت السؤال يقودك إلى الجسر الخشبي ذاته الذي يصوّر الانتقال من مرحلة إلى أخرى , ( الشعور بالخوف شعورٌ مقزز) من خلال هذه الجملة السطحية تجيء ولادة المعتقد من وجهة نظر الكاتب للعوامل التي تخلق شخصية مستقبلية مجهولة كالمسيح الدجال , (الطبيعة التي تحتضن الشر) جزء من تكوين الإنسان هما الاثنان يندمجان في رؤية الكاتب و يتحدان أخيراً أثناء مواجهة النتيجة مُلخص جاءت به نظرة الكاتب أن الرعب في أقصى مراحله لا يجيء من خلال عوامل خارجية أو ما يتسبب عادةً في شعورنا بالخوف لكن المصدر الأساسي الذي يتحكم بوجود الخوف نفسه و هو (الذات) هي الموضوع الذي قد يجده الإنسان مخيفاً كفاية حين يدرك حقيقةَ ما يمكن أن تؤثر فيه ذاته, وجود بعض المشاهد الاباحية لم يكن يخدم الاباحية في حد ذاتها من وجهة نظري إنما يخدم الفكرة المعاكسة لها تماماً أن الإنسان لا يكون تحت سيطرة نفسه حين يكون مستسلماً للغريزة المسمى الآخر للطبيعة في الكائن الحي , هنالك أيضاً تعمد واضح (لتقبيح) المشهد قدر المستطاع الجزء الأعمى من الصورة هو الجزء الوحيد الواقعي في مشهد الطائر الذي سقط من الشجرة و تقاتلت على جسده مجموعات من النمل , ربما يستخدم لارس فون ترير المفهوم الذي يلخص المشاعر السلبية , الخوف , الاشمئزاز , الوحشية , الندم ,الأسى , الحاجة الملحة للتعرض إلى التشتيت لمضاعفة الشعور بالألم , اعفاء السيطرة من القيام بدورها حين تنتشر التفاصيل على الذاكرة كسرب من الجراد فتصبح الحاجة هي القائد الذي يتسبب في نهايته مع الإنسان .. كل هذا عبارة عن صورةٍ مشرقة في الأصل كالمشهد الذي لمح فيه الغزال و من ثم تآكلت الرؤيا أمام الحقيقة التي يفرضها الواقع و الماضي الذي تفشى في تشويه المستقبل , أن يكون طاقم الممثلين متمحوراً حول ثلاثة لربما كانوا هم الثلاثة المتسولون , هي .. هو و الطفل يتبادلون الأدوار بين المهمشة و الرئيسية مع الغابة في عدن أو مع ما جاءت به مجازاً عن الطبيعة .. ليست فكرةً مكررة و هذا ما يثبت أن المخرج متمكن من كونه مُختلفاً على الأقل , لكن يمكنك ملاحظة نقطة ضعف فون ترير عندما يكون متعصباً لفكرة معينة من ما يجعل وجهة نظره أقل تجرداً و أكثر عاطفية كما أن المخرج الذي يأخذ الحدث من زاويته البحتة لأجل أن يحقق الشعور الكامل قد يستفز جانباً معين من المُشاهد الجانب الذي يجعله عاطفياً كفاية ليطفئ الفيلم دون متابعة التتمة خوفاً أو ربما هرباً من التشويه الذي قد تتعرض له الملامح التي يريد أن يراها و إن لم تكن موجودة , أي أن محاولة المخرج في الابتعاد عن المبالغة كانت مبالغةً في حد ذاتها , لا يمكن الجزم إذا ما كنت تشاهد الـ negative من مشهد سيريالي , أو أنها النوع الخاص من الصور التي يصعُب استخلاصها من فلسفة كاتب مبدع , هذا يحدد الاتجاهات الثلاث للفيلم بين الدرامي و المرعب و الفلسفي الديني , اذا كنت من الذين يؤمنون بأن المخاوف هي التي فرضت وجود الروحانيات و أن جموح الذات الروحانية هي جزء من انتفائها ربما يصبح بمقدورك أن تشاهد الفيلم من زاويتك الخاصة لا من ما يصلك خلاله , الاخراج يشفعُ لما تشعرُ به من استفزاز في وجهة نظري , لا أدري إن كانت قراءتي لهذا العمل لفون ترير قراءة مجردة حقاً أم أنني وقعت تحت التأثير الذي يشعر به المشاهد حين تتصل أفكاره بالمشهد كأنه قد شاهده منذ زمن و كان بحاجةٍ لأن يستعيده, كذلك بالنسبة للمشاهد المتنوعة في التصوير بين الأبيض و الأسود .. و الملون في نوع من التجديد تبعاً لما يقوده المشهد من الصمت المُحرض , أداء المُمَثِلين كان مبهراً بطريقة مثيرة للدهشة لي شخصياً شارلوت التي نالت من خلال دورها في هذا الفيلم جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي , ويلم كلٌ منهما متمكن من خلق تأثيره الخاص بالاضافة إلى الدور نفسه , كلاهما بارعان فيما يخص الأداء الجسدي و التعبير من خلال ملامح الوجه , هذا تماماً ما يجعل منهما ثنائياً منسجماً بغرابة و كاملاً للدور , الموسيقى التصويرية جانب فني عبقري مستقل في مشهد البداية لجورج هاندل لخدمة الزاوية الدينية من الفيلم و لخلق التأثيرالكافي بأن المشهد الأول هو كل شيء يجب أن تعرفه عن لارس فون ترير ..لأنه عمل لمخرج روائع لا أستطيع أن أصنف هذا العمل كأفضل أعماله , لكنه يستحق القراءة التفصيلية و يستحق المشاهدة
No comments:
Post a Comment